أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

سابقة كوسوفو:

تنازع روايتي روسيا والغرب حول قانونية ضم أقاليم أوكرانية

06 أكتوبر، 2022


أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 30 سبتمبر 2022، انضمام جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زابوروجيا، وخيرسون إلى روسيا الاتحادية، وهي المناطق التي استولى عليها الجيش الروسي منذ عمليته العسكرية ضد أوكرانيا، والتي بدأت في أواخر فبراير 2022.

وجاء ذلك الإعلان عقب إجراء الاستفتاءات حول انضمام زابوروجيا وخيرسون، بالإضافة إلى جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، في الفترة ما بين 23 و27 سبتمبر. ويلاحظ أن الجمهوريتين سبق وأن اعترفت روسيا باستقلالهما في 21 فبراير 2022. وقد أدان المجتمع الدولي الاستفتاءات على نطاق واسع، حيث قالت الدول الأوروبية والولايات المتحدة إنه لن يتم الاعتراف بها. ويثير ذلك التساؤل حول الأسانيد القانونية التي يرتكن إليها الموقف الروسي والغربي من ضم موسكو الأقاليم الأربعة.

حيثيات روسيا: 

تستند روسيا في موقفها لضم أراضٍ أوكرانية إليها على مبدأ حق تقرير المصير، وكذلك السابقة التي أرستها الدول الغربية باعترافهم بكوسوفو كدولة مستقلة، على الرغم من كون الأخيرة إقليماً انفصالياً، وكانت الدولة التابع لها الإقليم، وهي صربيا ترفض انفصاله عنها. ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي: 

1- حق تقرير المصير: يستند المنطق الروسي هنا بشكل أساسي إلى حقيقة أن إجراء الاستفتاء في أربعة أقاليم أوكرانية بشأن انضمامهم إلى الاتحاد الروسي هو ممارسة لحق تقرير المصير من قبل السكان الأصليين الذين يرفضون الحكومة الأوكرانية التي تولت حكم البلاد منذ العام 2014، في انقلاب على الرئيس الأوكراني المنتخب، الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، فضلاً عن ممارسة الحكومة الأوكرانية سياسات تمييزية ضد الجماعات العرقية الروسية، والمتحدثين باللغة الروسية، وذلك عبر فرض قوانين تنص على أن "تكون الأوكرانية لغة وحيدة في جميع مؤسسات الدولة ومعاملاتها، وأساسية في الجامعات والمدارس ورياض الأطفال الحكومية"، وذلك في محاولة للقضاء على اللغة، التي ينتشر استخدامها في شرق وجنوب أوكرانيا. 

وإلى جانب ما سبق، ترى موسكو أن أوكرانيا، وبدعم من الولايات المتحدة، رفضت تنفيذ اتفاقات "مينسك 1"، و"مينسك 2"، والتي نصت على وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة، فضلاً عن نص الاتفاقية الأخيرة على إعداد دستور أوكراني جديد بحلول نهاية 2015، يقضي "باللامركزية" في منطقتي دونيتسك ولوغانسك بالاتفاق مع ممثلي هاتين المنطقتين. 

وعلى الرغم من قيام الأمم المتحدة بدعم الاستفتاءات في العديد من الأقاليم الانفصالية، التي سعت إلى الاستقلال، مثل جنوب السودان وتيمور الشرقية، وذلك وفق حق تقرير المصير، غير أنه في كلا الحالتين، فإن الاستفتاء تم بموافقة الدولة الأم، التي كان الإقليم الانفصالي يتبعها، وهو ما لا يتوفر في حالة الأقاليم الأوكرانية المنضمة إلى روسيا، إذ لا تعترف كييف بشرعية الاستفتاء، خاصة أنها جرت بعد انتزاع روسيا السيطرة على هذه المناطق من أوكرانيا بالقوة العسكرية.

2- سابقة كوسوفو: أكد الرئيس بوتين خلال لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 26 أبريل 2022، على صحة الموقف الروسي بالاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين عن أوكرانيا، مذكراً إياه بقرار محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة حول كوسوفو، القاضي بأنه في الحالات المتعلقة بحق تقرير المصير لا يعتبر كياناً معيناً ملتزماً بطلب موافقة السلطات المركزية للدولة التي يعلن الانفصال عنها. ومن ثم بات من حق الجمهوريتين في دونباس إعلان الاستقلال لأن "السابقة القانونية قد نشأت".

كما أشار بوتين إلى أن الكثير من الدول الغربية اعترفت باستقلال كوسوفو بعد إعلان الإقليم انفصاله عن صربيا في 2008. وتجدر الإشارة وقتها إلى أن روسيا والصين قد رفضتا الاعتراف بإعلان كوسوفا دولة مستقلة من جانب واحد. كما أن استقلال كوسوفو أثار انقساماً في الموقف الدولي، فقد اعترفت 97 دولة تابعة للأمم المتحدة باستقلال كوسوفو، في حين عارضته 96 دولة، خوفاً من إرساء سابقة قانونية تبيح استقلال الأقاليم الانفصالية من جانب واحد، ولذلك رفضت إسبانيا الاعتراف بكوسوفو دولة مستقلة، خوفاً من أن ينسحب ذلك على إقليم الكتلان الانفصالي لديها، والأمر نفسه ينطبق على الصين، والتي تعارض انفصال تايوان عنها. 

وتجدر الإشارة إلى أن فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في 22 يوليو 2010 قد خلصت إلى أن "إعلان استقلال كوسوفو المعتمد في 17 فبراير 2008 لم ينتهك القانون الدولي. فقد لاحظت المحكمة أن ممارسة الدولة خلال الثمانينيات والتسعينينات من القرن العشرين وبداية الألفية الثانية "يشير بوضوح إلى خلاصة مفادها ان القانون الدولي لا يجرم إعلان الاستقلال". 


إدانة الغرب: 

وفقاً للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعتبر خطة الضم الروسية للأقاليم الأوكرانية الأربعة، خطوة غير قانونية، وتمثل خرقاً واضحاً للقانون الدولي، ومن ثم تجب إدانتها، وذلك على أساس أن قيام أي دولة بضم أراضي دولة أخرى نتاجاً عن التهديد أو استخدام العنف يعتبر نقضاً لميثاق الأمم المتحدة ومخالفاً للشرعية الدولية. 

ووفقاً لعدد من الأكاديميين الغربيين، والخبراء القانونيين، وكذلك الدول الغربية، فإن ضم موسكو الأقاليم الأربعة يعد نتاجاً لتوظيف الغزو والاحتلال العسكري المباشر. كما يعتبر الضم غير القانوني نوعاً من الاحتلال بموجب القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وتتم الإشارة إلى هذه الأراضي "قانونياً" بالأراضي المحتلة.  

وبطبيعة الحال، فإن أوكرانيا، تتبنى وجهة النظر هذه، على أساس أن هذه الأراضي محتلة، وتم التلاعب بنتائج الاستفتاءات، ومن ثم محاولة نزع الشرعية عن الإجراء الروسي. بينما أكد جوزيب بوريل، المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، في تغريدة أن هذه الاستفتاءات تمثل "انتهاكاً جديداً لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في إطار من الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان". 

وبالنسبة للدول الغربية، ينظر إلى الضم الروسي على أنه فعل أحادي الجانب، يهدف إلى إضفاء صبغة شرعية على محاولة استحواذ دولة على أراضي دولة أخرى، مع الادعاء بتمثيل إرادة الشعب، ولذلك لا يمكن اعتباره مشروعاً بموجب القانون الدولي. ومن ثم ينظر لهذه الاستفتاءات بكونها صورية وتنتهك القانون الدولي.

ومن جانبها، قالت الولايات المتحدة الأمريكية إنها ستفرض عقوبات على روسيا جراء الاستفتاءات التي أجرتها في أربعة أقاليم في أوكرانيا، بينما تدرس دول الاتحاد الأوروبي فرض جولة ثامنة من العقوبات المضادة لروسيا بما في ذلك فرض عقوبات على أي شخص يشارك في التصويت. 

حق الاعتراف:

يلاحظ أن الاعتراف بدولة، وفقاً للقانون الدولي، هو عمل قانوني بإرادة أحادية الجانب لشخص دولي على كيان جديد، بهدف الاعتراف بالكيان الجديد كشخص دولي. وفي كثير من الحالات، تكون هذه التفاهمات غير مثيرة للجدل، إذ إنها بداهة ترمي إلى الاعتراف بأوضاع قانونية، وليست أوضاع مخالفة للقانون الدولي. غير أنه في الممارسة الدولية، كانت هناك حالات فجة من الاعتراف، كما في اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مارس 2019، بتوقيع إعلان تعترف الولايات المتحدة بموجبه بسيادة إسرائيل "الكاملة" على مرتفعات الجولان، والتي استولت عليها الدولة العبرية من سوريا عام 1967 وضمتها إليها في 1981، في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي. ويرى الاتجاه الغالب في الفقه أن الاعتراف بالأوضاع غير القانونية لا يرتب أي آثار قانونية، أي أنه هو والعدم سواء. 

وبتحليل موقف أغلب دول العالم من ضم روسيا أقاليم داخل أوكرانيا، يلاحظ أنه من المتوقع أن تتجه العديد من الدول إما لتجاهل التعبير عن موقف واضح، أو رفض ذلك الوضع الجديد، حتى لا ترسي سابقة قانونية يتم بموجبها الاعتراف بأحقية الأقاليم الانفصالية في الانفصال عن الدولة الأم، أو ضمها من جانب دولة أخرى بالقوى العسكرية. 

وفي ضوء العرض السابق، يمكن القول إن أغلب دول العالم الغربي سوف تتجه إلى إدانة الاستفتاءات التي أجرتها روسيا في أوكرانيا، وذلك على الرغم من أن الدول الغربية هي التي أرست السابقة القانونية ممثلة في كوسوفو، والتي تستند إليها روسيا الآن لتبرير ضمها أراضي أوكرانية. أما أغلب دول العالم، فسوف تحجم عن تبني موقف واضح. ولعل تصويت مجلس الأمن الدولي، في 30 سبتمبر، على مشروع القرار الذي أعدته الولايات المتحدة وألبانيا، والذي يدعو جميع الدول والمنظمات الأخرى إلى عدم الاعتراف بالضمّ، واعتباره زائفاً لدليل على ذلك. ففي حين استخدمت موسكو الفيتو، امتنعت أربع دول عن التصويت، في حين أيدته عشر دول. ومن المقرر أن ينعكس الوضع نفسه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي من المقرر لها أن تجتمع خلال عشرة أيام للنظر في مشروع القرار الأمريكي.